Thursday, June 23, 2011

بعض ما لم أقله للمحقق الشاب/ 1

توطئة: فوجئت أواخر كانون الأول ديسمبر1999 في مطار دمشق بأن علي مراجعة الفرع 235..واستمر هذا إلى منتصف 2002 في كل زيارة زرتها لدمشق.. حتى انقطعت.
*****
   لعل وجودَه خلف المكتب، ووجودي على كرسيّ ليس تُجاهَه تماماً، لِنقلْ أني كنت أقربَ إلى يمينه.. وقد تكون هذه الزاوية من الرؤية مريحة له كما هي لأغلب الناس. لعل هذا منحَه شعوراً بالسيطرة والتحكم، إضافة إلى ما تمنحه إياه طبيعةُ العلاقة بيننا: مواطنة مطلوب منها مراجعة الفرع خلال يومين من وصولها إلى بلدها، ومحقق في فرع أطلق عليه اسم فرع الإرهاب بعد إطلاق موضة محاربة الإرهاب من قبل جورج بوش، بل لعل الأمر بدأ من أيام بل كلينتون الذي يعتبر من أو أذكى رؤساء أمريكا، من عجب أو أسف( وعلام الأسف) أنه احتاج هذا الذكاء أكثر ما احتاجه في دفع تهمة الكذب عن نفسه تحت القسم، ربما يجب أن أذكر أنه لم يكن، في المرحلة الثانية من التحقيق( مع رئيس أقوى دولة في العالم) يدفع عن نفسه تهمة الزنى في البيت الأبيض، بل يدفع عن نفسه تهمة الكذب، وقد احترم المؤمنون والمتمسكون بالأخلاق من كل الدنيا، دون شك، كثيراً؛ أن الدستور الأمريكي يجعل الكذب جريمة أكبر من الزنى، تماماً كما هي الحال لدينا معاشر المسلمين، فقد يزني المؤمن وقد يسرق لكنه لا يكذب، كما صحَّ في الحديث الشريف.
أقول إنه المحقق في الفرع235، المجاور تماماً لفرع الجمارك، والأوادم( جمع آدميّ/ طيب عاقل) الجهلة أمثالي، كانوا منذ ربع قرن يرضون من أسماء الفروع المرعبة( أعني الفروع) بعناوينها التي تنبع من مواقع يعرفونها فتبعد عنهم، ولو إلى زمن، الإيحاء المفزع لمصطلح المخابرات: فرع التحقيق العسكري سموه فرع الجمارك لأنه قريب من إدارة الجمارك في أول حيّ المزة الذي كان شهيراً يوماً بحقول الصبار والمياه الغزيرة قبل أن تغزوه الأبنية الأشبه بالعلب والتي تصلح لتكديس عدد كبير من البشر لحوماً وعظاماً.
 فرع الخطيب، في جادة الخطيب المتفرعة عن شارع بغداد، شارع بغداد شقته فرنسا لتتجنب شارع الملك فيصل الذي كان يقطعه المتظاهرون والثوار بالمتاريس.
   لكن الناس(أتحدث هنا عن ناس ليست لهم علاقة بعد بفروع التحقيق، لا يهمهم أبداً أن يعرفوا كم فرعاً للتحقيق في دمشق العاصمة وحدها، وما اختصاص كل فرع، ومن يرأسه أو يديره..لاحظ أن كل الأسئلة تتجنب( كيف).  
فرع العدوي في حيّ العدوي الذي كان يوماً جديداً، والذي شب فجأة ساحقاً تحت إسمنته وحديده وعبث أطفاله الغاضبين مساحة  خضراء تسمى الديوانية. من الغريب، ولعله ليس غريباً، من المؤسف ولعله ليس مؤسفاً، من المحزن ولعله ليس محزناً أنه لايبعد عن فرع الخطيب أكثر من عشر دقائق سيراً على قدمي امرأة أمضت شطراً كبيراً من عمرها منهكة وحزينة لأن مصطلحات من مثل فرع وسجن وتحقيق وتعذيب وزيارة وإفراج وعفو وضغوط والتماس ورشوة كانت هواء تتنفسه، وإداماً تلفه بخبز دهشتها، وماء تتجرعه بغصص انتظارها..بل أكثر من ذلك: كان الانتظار عطرها وعلبة زينتها التي تقتصر على لون واحد.. هل تستطيعون أن تتخيلوا للانتظار لوناً، هل نستطيع أن نصطلح على أن للانتظار لوناً ما.. يحق لكم أن تقولوا الانتظارات تختلف.. فمن تنتظر مولوداً ليست كمن تنتظر مفقوداً في سجن تدمر منذ تسع عشرة سنة.

No comments: